أفكارنا

مرحبا بكم أعزائي التلاميذ في مدونة ذ. عبد العزيز أشهبون ؛ سنخصص إن شاء الله هذه المدونة لكل ما يتعلق بالدرس الفلسفي في سلك الثانوي التأهيلي، وسنحاول من خلالها تقديم دروس نظرية وأخرى تطبيقية بهدف مد جسور التواصل مع التلاميذ خارج نطاق جدران الفصول الدراسية.

random

منهجية تحليل ومناقشة النص الفلسفي وفق ما تنص عليه الأطر المرجعية لمادة الفلسفة



النص 
لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن [بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان الوعي يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الوعي بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر.
جون لوك، مقالة في الفهم البشري، الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994 ص : 264-265
John Locke, Essai concernant l’entendement humain


تحليل النص ومناقشته

-Iالفهم: 04 ن
-1تحديد موضوع النص :
يعد التفكير الفلسفي شكلا من أشكال التفكير الانساني المميز للنوع البشري عن بقية الكائنات الأخرى التي تتقاسم معه الوجود. ويمكن القول ان هذا التفكير يرتكز أساسا على قاعدة مركزية مفادها أن جميع الأفكار قابلة للمراجعة والمساءلة، وأنه لا وجود لحقيقة نهائية ويقينية ومطلقة. والنص الماثل أمامنا لا يخرج عن هذا الإطار، فهو يسعى الى  تسليط الضوء على إحدى القضايا ذات الطابع الوجودي والمرتبطة بوضع الشخص في هذا العالم، وتتمثل هذه القضية في إشكالية الهوية.
-2صياغة إشكاله و أسئلته الأساسية الموجهة للتحليل و المناقشة :
يعتبر النص الماثل أمامنا كمحاولة للإجابة عن الإشكال الأساسي المرتبط بالهوية الشخصية والذي يمكن التعبير عنه على النحو التالي: ما الشخص؟ وما الهوية؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بينهما؟ وعلى أي أساس تقوم هوية الشخص؛ هل تقوم على الوحدة والتطابق (تقوم على عنصر جوهري ثابت في الشخص) أم على التعدد والتغير ( غير قائمة على عنصر ثابت لأنه ليس هناك عنصر جوهري في الشخص)؟


-IIالتحليل:05 ن
-1رصد الأطروحة التي يدافع عنها النص) تفكيك/تفصيل/شرح الأطروحة(
يقدم الفيلسوف أطروحة مفادها أن الشعور الذي يكون للشخص عن أفعاله الخاصة وتجاربه الحسية هو أساس الهوية الشخصية ، بالإضافة إلى الذاكرة التي تلعب دور الخيط الرفيع الذي يحفظ هوية الشخص من الضياع. ولتوضيح تصوره استهل جون لوك نصه بالتحديد الدلالي لمفهوم الشخص باعتباره ذلك الكائن العاقل والمفكر والقادر على ادراك ذاته باعتبارها مطابقة لنفسها، ليؤكد على أن ذلك لن يتأتى له إلا عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة، ويصف هذا الأخير بكونه يبقى مقترنا بالفكر لأنه لا يمكن أن يدرك الشخص موضوعا دون أن يشعر بأنه يدركه فعلا. ليشير بعد ذلك إلى أن مايجعل الشخص "هو نفسه" عبر أمكنة وأزمنة مختلفة، هو ذلك الشعور )الوعي المقترن بالفكر( أو تلك المعرفة التي تصاحب مختلف أفعاله وحالاته الشعورية من شم وتذوق وسمع وإحساس وإرادة، بالإضافة إلى الذاكرة التي تربط الخبرات الشعورية الماضية بالخبرة الحالية، مما يعطي لهذا الوعي استمرارية في الزمان. ويقول جون لوك في هذا الصدد "لما كان الوعي يقترن بالفكر على نحو دائم ...فإن ذلك هو وحده ما يكون هوية الشخص" .
-2استخراج المفاهيم التي اعتمدها الفيلسوف لبناء أطروحته وتحديد دلالتها والعلاقات الرابطة بينها :
توسل الفيلسوف بجهاز مفاهيمي لكي يعرض أطروحته بشكل من الوضوح نورده على الشكل التالي ؛  مفهوم الشخص  والذي حصره في ذلك الكائن العاقل والمفكر والقادر على التعقل والتأمل،  وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة . بالإضافة إلى مفهوم الهوية والذي يحيل على إدارك الشخص لوحدة ذاته في الوجود بشكل مستمر وغير منقطع رغم ما قد يلحقه من تغيرات، ثم مفهوم الشعور باعتباره مجموع العمليات التي تمكن الذات من إدراك مباشر لذاتها ولما تقوم به ولما يحيط بها (العالم الخارجي). ويمكن القول أن العلاقة الرابطة بين مفهومي
الهوية والشعور من جهة والشخص من جهة أخرى هي علاقة جزء بكل؛ فيمثل الشخص كلا بينما يمثل كل من الشعور  والهوية جزء من هذا الكل.
-3تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع  الأطروحة :
من أجل إقناعنا بأطروحته وظف الفيلسوف مجموعة من الحجاج استهلها بتعريف الشخص ـ باعتباره ذلك الكائن العاقل و المفكر  والقادر على التعقل والتأمل ـ بهدف حصر دلالته وتمييزها عن بقية الدلالات الأخرى . ليسوق بعد ذلك مجموعة من الأمثلة  (نسمع أو نشم أو نتذوق ...) سعيا منه لإعطاء الأطروحة بعدا واقعيا.
-4استنتاج جزئي +سؤال نقلة :
من خلال تحليلنا لمضمون النص خلصنا إلى أن أساس هوية الشخص هو الشعور الذي يكون للشخص عن أفعاله الخاصة وتجاربه الحسية، بالإضافة إلى الذاكرة التي تعبر عن امتداد واتساع نطاق هذه الهوية  ليبلغ الزمن الماضي .وهذا يدفعنا إلى مساءلة واستنطاق هذا التصور؛ فما هي قيمته وحدوده؟ وإلى أي حد يجيب عن إشكالية الهوية؟  ألا يؤدي الإقرار بأن الشعور والذاكرة هما أساس هوية الشخص إلى إقصاء جميع خصائص ومكونات الإنسان الأخرى؟ أليست هوية الشخص أشمل من الشعور والذاكرة؟


-IIالمناقشة:05
-1قيمة الأطروحة :
بعد عملية التحليل و التي وقفنا من خلالها على أن جون لوك قام برصد مجموعة من المفاهيم، وتوسل بآليات حجاجية مختلفة للدفاع عن أطروحته، يمكننا القول بأن قيمة الأطروحة تتجلى في كونها تعلي من شأن الشعور المرتبط بالفكر، و كذا في التأكيد على قيمة الذاكرة كاستمرار للشعور عبر الزمان و المكان . و هنا بالضبط يبرز عمق التناول و المعالجة  الفلسفيين لمفهوم الشخص، فهذا الأخير يبقى دائما هو هو على مر السنين و إن اختلفت ملامحه. و يكفينا استحضار تجربة تطلعنا إلى صورنا حيث نبدو في البعض منها صغارا، آنذاك عادة ما لا نتيه عن أنفسنا بل إننا نسافر من خلال  تلك الصور لنربط بين تلك المراحل و الحاضر، و أكثر من ذلك فإننا نشعر و نعي تمام الوعي بأننا نحن من يتطلع إلى أنفسنا. وعلى العموم يمكن القول أن جون لوك عمل على التأسيس لمنظومة فكرية ( التيار التجريبي) مبنية على أساس أن الشعور/ الإحساس هو محدد الوجود الإنساني.
إن الإشكال الذي يثيره النص يجعلنا نستحضر بعض التصورات الماهوية الأخرى التي حاولت مقاربة الإشكال وذلك من منطلقات أخرى، نسوق على سبيل المثال تصور الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت الذي اعتبر أن الهوية تتحدد بالوعي وخاصية التفكير باعتبار محلهما العقل،  فالتفكير دال على وجود الذات/ الأنا، لأنه لا وجود لفعل من غير فاعل، وبذلك يكون الوجود مرتبطا بالتفكير، وهذا ما يسمى في التراث الديكارتي بالكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود" . وبموجب ذلك اعتبر ديكارت أن العقل هو ذلك النور الفطري الطبيعي الذي يمثل جوهر الذات، وبدونه لا يمكن للإنسان أن يعي وجود ذاته ويبلغ الحقيقة. كما دعا ديكارت في نفس السياق إلى ضرورة تجنب الحواس لأنها خادعة وتوقع في الخطأ باستمرار .
-2حدود الأطروحة (النقد)؛
إن كلا من  التصورين التجريبي والعقلاني يؤسسان هوية الشخص على فكرة الوحدة والتطابق، فيربطان الهوية ب"أنا" ثابتة تحيل عليها باستمرار. وهذا تحديدا ما حاولت بعض التصورات السيكولوجية تجاوزه، إذ تعتبر أنه لا وجود  لعناصر جوهرية ثابتة في الشخص وبالتالي لا يمكن تأسيس الهوية الشخصية على فكرة التطابق، وفي هذا الإطار يمكن استحضار تصور عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد الذي ذهب بدوره إلى اعتبار أن الهوية غير قائمة على عنصر ثابت لأنه لا وجود لعنصر جوهري في الإنسان، بل هي هوية متغيرة قائمة على الصراع بين مختلف مكونات الجهاز النفسي، فالأنا حسب فرويد مضطرة لخدمة ثلاثة من السادة الأشداء، وهي تبذل أقصى جهدها للتوفيق بين مطالبهم، وهي في الغالب مطالب متعارضة والتوفيق بينها مهمة عسيرة إن لم تكن أقرب إلى أن تكون مستحيلة، .وهؤلاء المستبدون الثلاثة هم: الهو؛ باعتباره يحيل على مجموع الغرائز والدوافع الحيوية الكامنة في عمق النفس البشرية والتي تتطلب إشباعا مباشرا للحاجات العضوية والنفسية. ثم الأنا الأعلى؛ باعتبارها مجموع القيم والمثل الأخلاقية التي يتعلمها الفرد من المجتمع ونظمه الأخلاقية والتي تضغط باستمرار على بنيته النفسية ليستجيب لها. وأخيرا العالم الخارجي.




-IVالتركيب03ن
-1 استخلاص نتائج التحليل و المناقشة؛
من خلال تحليلنا ومناقشتنا لنص جون لوك يمكن القول أن هناك تصورات ماهوية حاولت أن تربط هوية الشخص بعنصر جوهري ثابت لا يطاله التغيير(الإرادة، التفكير، الذاكرة، الشعور،...)، وتصورات حاولت تجاوز التصور الماهوي الكلاسيكي للهوية الشخصية واعتبرتها غير قائمة على عنصر ثابت لأنه ليس هناك عنصر جوهري في الشخص.
-2تقديم رأي شخصي مدعم ؛
لكن ألا يمكن الجمع بين كل العناصر السابقة لتحديد هوية هذا الشخص؟ إذ انه من المستحيل أن نحصر هوية الشخص في عنصر أو بعد واحد، لأن الكائن الإنساني غير قابل للتحديد والتعريف والتأطير في صورة نمطية معينة، ولا يمكن أبدا للجزئي (العقل مثلا) أن يهيمن على الكلي (الشخص). فلا بد إذن من القول أن هوية الشخص تتحدد بكل هذه العناصر: عقل، وعي، شعور، ذاكرة، إرادة، طبع، نفس، ....



عن الكاتب

ذ. عبد العزيز أشهبون أستاذ مادة الفلسفة / المغرب.

التعليقات

يمكنكم إضافة تعليق بخصوص الموضوع أعلاه؛
شكرا على تفاعلكم


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكارنا

2025