أفكارنا

مرحبا بكم أعزائي التلاميذ في مدونة ذ. عبد العزيز أشهبون ؛ سنخصص إن شاء الله هذه المدونة لكل ما يتعلق بالدرس الفلسفي في سلك الثانوي التأهيلي، وسنحاول من خلالها تقديم دروس نظرية وأخرى تطبيقية بهدف مد جسور التواصل مع التلاميذ خارج نطاق جدران الفصول الدراسية.

random

آخر الأخبار

random

منهجية تحليل القولة الفلسفية


منهجية تحليل القولة الفلسفية

وفق ما تنص عليه الأطر المرجعية للمادة


» تقوم كل دولة على العنف  «


اشرح (ي) مضمون القولة وأبرز (ي) طبيعة العلاقة بين الدولة والعنف.



.1مطلب الفهم 


  1. - تحديد موضوع القولة 


قدمت لنا الفلسفة الإنسان باعتباره كائنا سياسيا بطبعه، فهو الكائن الوحيد القادر على ممارسة السياسة وتمثلها. هذه الأخيرة ارتبطت دائما ببنية تمارس داخلها والمتمثلة في الدولة. فكل من كتب في الفكر السياسي إلا واستحضر هذا المفهوم.  لقد احتاج ميلاد هذه الدولة لشروط وتراكمات عديدة لم يشأ لها أن تجتمع إلا في العصور المتأخرة، حيث تم تذويب خلافات الأفراد، لأول مرة، والتقريب بين رغباتهم عن طريق إبرام تعاقد، تم من خلاله الاتفاق على جملة من القوانين والقواعد، بهدف الانتقال من حياة يسود فيها الاقتتال والعنف وغلبة قانون القوة إلى حياة قائمة على التعاون والسلم واحترام القانون، غير أن الواقع أثبت عدم كفاية القوانين بمفردها لتنظيم حياة الأفراد وممارسة الدولة لسلطتها. مما دفعها إلى الاستعانة بوسائل أخرى؛ متمثلة أساسا في القوة والعنف لفرض سيطرتها وممارسة هذه السلطة.

ـ صياغة الأسئلة الموجهة للتحليل والمناقشة :

فما الدولة؟ وما العنف؟ وما طبيعة العلاقة القائمة بينهما؟ كيف تمارس الدولة سلطتها ؛ هل بالإستناد إلى الحق والقانون أم باعتماد القوة والعنف؟ وهل تستطيع الدولة تنظيم شؤون الأفراد وضمان حقوقهم دون الإستعانة بالعنف أم أن هذا الأخير أداة لا غنى عنها؟ وإذا كان الجواب يؤكد على ضرورة اعتماد الدولة على العنف فما هو نوع العنف الذي تختص به؟

.2 مطلب التحليل

- تحديد دلالات المفاهيم والعلاقات الرابطة بينها 

تتكون البنية المفاهيمية للقولة من مفهومين أساسيين تشكل العلاقة الرابطة بينهما أساس الأطروحة المتضمنة فيها؛ مفهوم الدولة ومفهوم العنف. يحيل الأول على مجموع المؤسسات (سياسية، قضائية، إدارية، ...) التي تنظم حياة الأفراد داخل المجتمع في مجال ترابي محدد، وتعمل على احتكار السلطة السياسية وممارسة الهيمنة داخله بواسطة هذه المؤسسات. أما الثاني فيقصد به استعمال القوة تجاه الغير وذلك بهدف إخضاعه لإرادة الذات. ينتهي الجهاز المفاهيمي للقولة في نهاية المطاف إلى معادلة مكونة من حدين:  الدولة/ العنف، تربطهما علاقة شرطية، أي أن العنف شرط أساسي لقيام الدولة فلا مجال للحديث عنها في غياب هذا العنف.

- رصد الأطروحة المتضمنة في القولة  + شرح وتفكيك

يمكن صياغة الأطروحة المتضمنة في القولة على الشكل التالي: تمارس الدولة سلطتها باعتماد العنف والقوة، فيكون العنف إذن ركيزة أساسية من ركائز الدولة، لا لشيء إلا لأنه الأداة الوحيدة القادرة على حماية الدولة ونفوذها وحفظها من الأخطار الداخلية والخارجية المهددة لها. من هنا يمكن القول أن الدولة ليست مخيرة في الاعتماد على العنف من عدمه؛ لأنه الوحيد الذي يمكنها من ممارسة وفرض سلطتها على الأفراد، وبواسطته تستطيع توفير الأمن والسلم الاجتماعيين، وبه تواجه العنف الصادر عن الأفراد.
  

 
-
تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن الأطروحة


يمكن هنا استحضار مثال "مطالب الأقليات التي تسعى إلى الاستقلال" لتبيان أهمية ودور العنف/القوة في قيام واستمرارية الدولة، إذ نجد أن احتكام الدولة إلى القانون سيجعلها عرضة لفقدان نفوذها، في حين أن اللجوء إلى القوة /العنف يضمن لها، دون شك، إسكات تلك القوى وإرغامها على التبعية والخضوع لها. كما يمكن التأكيد كذلك على أن دور العنف لا يكمن فقط في تحقيق التوازن الداخلي، بل يتعداه لكي يكسب الدولة هيبة تجعل الأطماع الخارجية التي تسعى إلى التوسع تخرجها من حساباتها الخاصة. وقد تبنى هذا الطرح الكثير من الفلاسفة والمفكرين نذكر منهم على سبيل المثال: ماكس ڢيپر، ماكياڤيلي

 -استنتاج + سؤال نقلة 

يتضح من خلال عملية التحليل أن قيام الدولة واستمرارها رهين باستعمال القوة، لكن ألا يمكن القول أن العنف يتنافى أصلا مع الغاية التي وجدت من أجلها الدولة والتي تتجلى في ضمان الأمن والسلم وحماية الأفراد؟ ألا يمكن القول كذلك أن العنف لا يولد سوى عنفا مضادا؟




-3مطلب المناقشة 

- إبراز قيمة وأهمية الأطروحة


تكتسي القضية التي تسعى القولة إلى تأكيدها  أهمية تاريخية وفلسفية وواقعية ، إذ نجد لها صدى كبير في الكثير من المدارس والتيارات الفلسفية، كما تبث في مراحل معينة من التاريخ الإنساني أن بعض التجارب السياسية التي اعتمدت على القوة والعنف استطاعت الحفاظ على سلطتها وحكمها لمدة زمنية طويلة.
في نفس السياق نظر ماكس ڢيبر إلى الدولة من زاوية سوسيولوجية باعتبارها تجمعا بشريا في حدود مجال جغرافي معين وتنظيما سياسيا وإداريا واقتصاديا لا يمكنه الاستغناء عن العنف لأنه جزء من وظيفته الأساسية، فالدولة تمارس هذا العنف في شكله المادي الفزيائي وفق قوانين وتشريعات تنظم هذه الممارسة ، وهي الجهاز الوحيد الذي له الحق في ممارسة العنف واحتكاره، فهو حق مشروع تمتلك الدولة وسائل استخدامه من أجل تدبير شؤون المواطنين وضمان سيادتها في نفس الوقت وغياب هذا العنف سيؤدي حثما إلى اختفاء مفهوم الدولــــــة وبروز وانتشار الفوضى. وبذلك يصبح العنف ظاهرة صحية وعنصرا ثابتا ومغذيا لوجود الدولة. بناءا على ما سبق يمكن القول أن السمة المميزة للدولة هي العنف المادي المشروع لأنه وسيلتها الفعالة والخاصة بتحقيق غاياتها، ولا يسمح للأفراد أو الجماعات باستعمال العنف إلا بتفويض وموافقة الدولة. يقول ماكس ڢيبر في هذا الصدد:" إن الدولة هي المصدر الوحيد الذي له الحق في ممارسة العنف".

-إبراز حدود الأطروحة::

إن اعتماد الدولة على أسلوب القوة والعنف لا يضمن لها دائما بسط سلطتها وسيطرتها، بالإضافة إلى أن هذا الاسلوب لا يعد الأمثل لممارسة السلطة. مما يفرض ضرورة البحث عن طرق وبدائل أخرى أكثر ملائمة لممارسة السلطة السياسية بعيدا عن كل أشكال العنف والتسلط. وهذا تحديدا ما جعل المفكرة الفرنسية جاكيلن روس تعترض على فكرة أن الدولة تقوم على العنف، لأن العنف في نظرها لا يولد سوى العنف المضاد، لذلك ينبغي أن تتأسس الدولة  على فكرة الحق والقانون والتمسك بالعدالة، وهذا لا يتحقق إلا في ظل دولة الحق والقانون، وهي الدولة التي تستند على مبادئ ثلاث: الحق، القانون و فصل السلط، ويترتب عن هذه المبادئ الثلاث ـ في نظر روس ـ ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، ممارسة تتشبث بالقانون واحترام الحريات وتحفظ الكرامة الإنسانية، ممارسة ضد كل أنواع القوة والعنف والتخويف والتسلط والاستبداد. وتقول روس في هذا الصدد:" إن دولة الحق تؤدي  إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات كما تؤدي إلى نظام سياسي متوازن ينفتح على مجال الحريات العامة". لكن هل اعتماد الحق والقانون فقط  يكفلان للدولة دائما تحقيق غاياتها وفرض سلطتها وسيطرتها؟ ألا يعتبر هذا الطرح بدوره اختزاليا كما هو الشأن بالنسبة للتصور السابق؟


.4التركيب 

 -استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
 -رأي شخصي مدعم

يتضح من خلال عمليتي التحليل والمناقشة أن القضية التي تثيرها القولة قضية إشكالية تحمل بين طياتها بعدا إشكاليا، وتطرح مجموعة من التساؤلات الفلسفية، ولمعالجة هذه التساؤلات انفتحنا على صنفين من التصورات، جانب منها يؤكد على أن الدولة تمارس سلطتها بالاستناد على القوة والعنف وجانب ثان يربط سلطة الدولة بالسهر على تطبيق القانون وضمان الحقوق. غير أن واقع الحال يؤكد على  أن نجاح الدولة المعاصرة يتوقف على المزاوجة بين سلطة القوانين وسلطة العنف، لكن المشكل يكمن في أن الآليتين متعارضتين، فهل من الممكن الجمع بينهما من أجل تحقيق نفس الغاية ؟ والجواب هو أن التناقض الموجود بينهما تناقض ظاهري فقط لا يمنع اجتماعهما، وبالتالي فلا مجال للفصل بين الدولة من جهة وبين القانون والعنف من جهة أخرى، فهي بهما وبينمها وتدبرهما بما يتلاءم ومصالح المجتمع ومطالب العقل. فالدولة تمارس العنف المشروع باسم الحق والقانون.

نسال الله أن يوفقنا وإياكم في أعمالنا ونتمنى لكم التوفيق والنجاح والمزيد من التفوق الدراسي والتحصيل الفعال.


عن الكاتب

ذ. عبد العزيز أشهبون أستاذ مادة الفلسفة / المغرب.

التعليقات

يمكنكم إضافة تعليق بخصوص الموضوع أعلاه؛
شكرا على تفاعلكم


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

أفكارنا

2025