الشخص بوصفه قيمة
تثبيت الإشكالية :
إن الحديث عن الوضع البشري هو حديث عن مختلف الأبعاد
التي تؤطر هذا الإنسان وتحدده ذاتية (العلاقة مع الذات) كانت أو علائقية ـ تفاعلية (العلاقة مع الغير)،
لكن وبالرغم من هذه الشروط التي ترسم وضعية الإنسان/الشخص في العالم فإن المحدد الذي يميز الشخص هو اعتباره
كائنا يملك في نفس الوقت بعدا قانونيا وآخر أخلاقيا، والذي بحكم كونه يتمتع بالوعي
وبالعقل وبالإرادة المستقلة، يكون قادرا على القيام باختيارات، وقادرا على تحمل مسؤولية
ما يختاره من جهة، ومن جهة أخرى اعتباره ككائن
له قيمة تميزه عن باقي الكائنات الأخرى. ولما كانت القيمة هي تلك الخاصية الثابتة في
الشخص والتي تجعله موضوع تفضيل ورغبة، فإن هذا يدفعنا إلى التساؤل حول هذه القيمة على
النحو التالي:
ž
ماهي الخاصية الثابتة
في الشخص والتي تجعله ذا قيمة وجديرا بالاحترام والتقدير، هل ترتبط بما هو
عقلي
أم بما هو قيمي ـ أخلاقي أم بعنصر آخر؟
ž
بعبارة أخرى من
أين يستمد الشخص قيمته؟ وهل هو غاية في ذاته أم مجرد وسيلة لتحقيق غايات أخرى؟
تصور إيمانويل كانط :
يعتبر كانط في عمله
"نقد العقل العملي" أن الشخص هو الكائن الوحيد الذي يستحق أن ينظر إليه كذات تستحق الاحترام ، لأنه الوحيد الذي يمتلك
عقلا أخلاقيا عمليا والذي
يقضي بأن يعامل كل شخص على الدوام كغاية في ذاته وليس مجرد وسيلة لقضاء غايات معينة
أخرى، وبهذا التعامل يكسب الإنسان احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية، وبامتلاكه
لهذه الكرامة يرغم كل الكائنات العاقلة الأخرى على احترام ذاته، ويتبادل معها نفس الاحترام
على أساس قاعدة المساواة، وخلاصة القول أن كانط يدعوا إلى العمل بالمبدأ الأخلاقي الأسمى
" تصرف على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما ففي
شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس مجرد وسيلة".
تصور جورج غوسدورف :
رغم ما للتصور الأخلاقي
الكانطي للشخص بوصفه قيمة من أهمية فكرية وتاريخية، فقد ظل قاصرا في منظور الفلاسفة
المعاصرين وعلماء الاجتماع على السواء، وذا طابع ميتافيزيقي، وذلك حين جرد كانط الواجب
الأخلاقي من الواقع الفعلي للشخص، باعتبار أن هذا الشخص له كذلك انتماء اجتماعي معين.
وهذا ما عمل جورج غوسدورف على تداركه حين اعتبر أن قيمة الشخص لا تكمن في الاستقلال
والانعزال عن الآخرين بل في التحرر من قبضة الوهم الفردي والفكر الأناني المتوحش (القيم
الرأسمالية والليبرالية) والاتجاه نحو الاندماج والمشاركة مع الآخرين والانفتاح
على المحيط بغية الوصول إلى الكمال الأخلاقي الذي لا يتحقق إلا على أرض الواقع، و
بناء عالم يسوده التكافل والتضامن بين الأفراد، فالعالم ليس فضاء للذات وحدها، وإنما
هو فضاء لتلاقي ذوات كثيرة، تتعاون جميعها خدمة للقيم الإنسانية النبيلة.
تركيب :
من خلال ما سبق يتضح أن قيمة الشخص لا تتبلور إلا من خلال النظر إليه باعتباره
غاية في ذاته انطلاقا من مبدأ الواجب الأخلاقي، ومن ضرورة انفتاحه على الآخرين ومشاركتهم
حياتهم الاجتماعية والتضامن معهم.
يمكنكم إضافة تعليق بخصوص الموضوع أعلاه؛
شكرا على تفاعلكم